رسائل أبو عبيدة- قوة القسام وتحدي الاحتلال بعد مئة يوم

المؤلف: د. سعيد الحاج11.21.2025
رسائل أبو عبيدة- قوة القسام وتحدي الاحتلال بعد مئة يوم

مع إطلالة اليوم المئة على بدء العدوان "الإسرائيلي" الغاشم على قطاع غزّة، أطلّ علينا الناطق المقدام باسم كتائب عزالدين القسام "أبو عبيدة" في خطاب مصور، يحمل في طياته رسائل جمة، شكلاً ومضمونًا، جاءت لتفضح زيف ادعاءات دولة الاحتلال وتدحض مزاعم مسؤوليها السياسيين والعسكريين، التي طالما تغنوا بها.

مئة يوم

إن دولة الاحتلال، التي اعتادت على شن حروب خاطفة لا تتجاوز أيامًا معدودة أو أسابيع قليلة، قد بلغت في عدوانها السافر على قطاع غزة اليوم المئة. هذا اليوم، كان بمثابة منعطف حقيقي لإعادة التقييم الشامل، وجردة حساب دقيقة للحرب الدائرة، ومساراتها المتشعبة، وأهدافها المعلنة والخفية، ومحاولة استشراف النتائج المحتملة والمآلات النهائية من وجهات نظر جميع الأطراف المعنية.

وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية الموقرة أن حصيلة الشهداء الأبرار والمفقودين الأكارم قد بلغت واحدًا وثلاثين ألفًا مع حلول اليوم المئة للعدوان الغاشم، وهو مؤشر جلّي على مدى جسامة الأوضاع الإنسانية المتردية في القطاع المحاصر، لا سيما إذا أضفنا إلى ذلك التدمير الممنهج للبنى التحتية الحيوية، واستهداف المرافق الأساسية من مستشفيات ومراكز حكومية ومخابز ومراكز إيواء، فضلاً عن دور العبادة من مساجد وكنائس، إضافة إلى سياسة الحصار الخانق والتجويع المتعمد في إطار الخطة الشيطانية للتهجير القسري التي لم يتخل عنها الاحتلال الصهيوني تمامًا من حساباته الدنيئة؛ على الرغم من أن سكان غزة الأبطال قد أحبطوا هذه الخطة الخبيثة إحباطًا منقطع النظير حتى هذه اللحظة الفارقة.

كان الخطاب الذي ألقاه الناطق العسكري الملهم "أبو عبيدة" هو الأول من نوعه منذ الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2023، أي منذ ما يقرب من شهرين كاملين، وذلك بعد أن ادعت بعض المصادر العبرية المغرضة استهدافه وقتله، حيث غاب حينها عن الظهور حوالي عشرة أيام، ثم عادت بعدها تسجيلاته الصوتية فقط لتؤكد زيف هذه الادعاءات الباطلة.

بالتزامن مع اليوم المئة، بل وقبله بقليل، وعلى هامش الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للمنطقة، بدأ بعض المسؤولين "الإسرائيليين" في التحدث عن قرب البدء بما أسموه زورًا وبهتانًا "المرحلة الثالثة" من الحرب العدوانية على غزة، والتي تتمثل في الانسحاب شبه الكامل من شمال القطاع المنكوب، والبقاء على تخومه والاكتفاء بعمليات "موضعية" بين الفينة والأخرى، إضافة إلى تراجع وتيرة استهداف وسط القطاع وجنوبه.

إذ على الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية لا ترغب في وقف إطلاق النار بشكل كامل، إلا أنها تتوق إلى تراجع حدة استهداف المدنيين العزل – فضلاً عن استنزاف جيش الاحتلال المتهالك – لما يسببه لها ذلك من حرج بالغ وأضرار سياسية فادحة، لاسيما مع بدء نظر محكمة العدل الدولية الموقرة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا الشقيقة.

إن الترجمة العملية لما سبق ذكره، هي أن الاحتلال الصهيوني يضطر بعد مرور زهاء مئة يوم عصيبة – من حرب شعواء لم تعرف للقيم الإنسانية حدودًا ولم تراعِ قانونًا أو عرفًا دوليًا – إلى التراجع والتقهقر؛ لأنه لم يحقق أيًا من أهدافه الخبيثة، واستمرت خسائره الفادحة التي تستنزفه يومًا بعد يوم، مما اضطره إلى الرضوخ للضغوط الداخلية والخارجية الهائلة التي تمارس عليه، واضعًا ما سبق في إطار "إدارة الحرب وإعادة التموضع"، بينما هو في حقيقة الأمر ليس سوى جزء من الاعتراف بالفشل الذريع الذي منى به.

وبالتوازي مع ذلك، فقد ادعى الناطق بلسان جيش الاحتلال الغاصب وبعض المسؤولين السياسيين المنافقين بأن الأخير قد استطاع تقويض القدرات العسكرية لحركة حماس الباسلة بنسبة كبيرة (البعض ذكر نسبة 80 % لبعض المناطق)، وتحديدًا تهديد الصواريخ، ليأتي الرد سريعًا ومباشرًا عبر وابل من الصواريخ المباركة التي انطلقت نحو محيط قطاع غزة الصامد، وكذلك مناطق في العمق مثل تل أبيب المحتلة، في تفنيد مباشر وصريح لهذه الادعاءات الكاذبة، قبل أن يأتي خطاب "أبو عبيدة" المزلزل ليكمل المهمة على أكمل وجه.

رسائل الخطاب

لقد كان الخطاب الذي ألقاه الناطق العسكري المقدام "أبو عبيدة" هو الأول من نوعه منذ الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2023، أي منذ ما يقرب من شهرين كاملين، وذلك بعد أن ادعت بعض المصادر العبرية المغرضة استهدافه وقتله، حيث غاب حينها عن الظهور حوالي عشرة أيام، ثم عادت بعدها تسجيلاته الصوتية فقط لتؤكد زيف هذه الادعاءات الباطلة.

وبهذا المعنى الواضح، فإن ظهوره بالصوت والصورة بمناسبة اليوم المئة على العدوان الغاشم، يمثل رسالة تفنيد إضافية لادعاءات مقتله، على الرغم من أن استهدافه أمر ممكن كأي مشارك في المعركة الشرسة، وإصابته أو استشهاده – إن حصل – لا يعني منجزًا كبيرًا للاحتلال المهزوم.

بيد أن الرسالة الأبرز والدلالة الأوضح للخطاب الميمون، تتمثلان في قوة "القسام" وصمودها الأسطوري وحضورها الطاغي في اليوم المئة للحرب الضروس، على عكس ادعاءات الاحتلال الباطلة بضعفها وتراجع أدائها وتآكل عناصر قوتها. ذلك أن الرسالة الإعلامية المرئية، من قبيل الفيديوهات التي توثق لعمليات المقاومة البطولية والتي توجت بخطاب "الملثم" الشجاع، هي المنتج النهائي في سلسلة طويلة من الأعمال العسكرية والإعلامية الدقيقة، مثل: الرصد والمتابعة الحثيثة والتخطيط المتقن والتنفيذ المحكم والتوثيق الأمين والاتصال الفعال والمونتاج الاحترافي ورسم الرسالة الإعلامية الهادفة والخطاب السياسي المناسب والإشارات المركزية المطلوبة وغير ذلك من المهام الجسام، ثم إيصالها لوسائل الإعلام المختلفة.

وبالتالي فإن ظهور المنتج النهائي بهذه القوة والجودة والوضوح، يعني سلامة كل ما سبق من سلاسل وخطوات، وبالتالي فخطاب "أبو عبيدة" عادة – والخطاب الأخير على وجه الخصوص – هو رسالة قوة واستمرار وصمود وسلامة في هياكل القيادة والسيطرة والتواصل وإدارة الحرب عسكريًا وإعلاميًا لكتائب القسام.

في المضمون، كان الخطاب قويًا متفائلاً متحديًا، كما عهدناه دائمًا، دون أدنى تلعثم أو محتوى مشوش أو رسائل عشوائية، بما في ذلك لغة التحدي الواضحة والثقة بالنصر المؤزر والهزيمة الوشيكة للاحتلال الغاشم، حيث قال: إن قيادته "تتجرع الألم وتغوص في وحل الفشل والإخفاق" على حد تعبيره. ولعل ذلك من أسباب عدم إتيان الخطاب على نعي القيادات السياسية والعسكرية التي استشهدت خلال الحرب، وفي مقدمتهم الرجل الثاني في حركة حماس الشيخ صالح العاروري رحمه الله.

ورغم ذلك، فقد كان الخطاب مقدرًا لإمكانات الاحتلال العسكرية والدعم اللامحدود الذي يحصل عليه، فضلاً عن استشعاره العميق لتضحيات الحاضنة الغزية الأبية خاصة والشعب الفلسطيني الحر عمومًا في هذه الحرب المقدسة والتعبير عن تقديرها والفخر بها، حيث عدَّ الأداء العسكري المشرف والصناعات الدفاعية المتميزة تابعًا لـ "صناعة الإنسان" كما أسماها.

ومن أهم رسائل الخطاب التأكيد مجددًا على "فلسطينية" معركة "طوفان الأقصى" المباركة، من حيث الدوافع والأسباب التي أعاد التذكير بها، مؤكدًا أحقيتها وسلامة توقيتها، ومن حيث الأسلحة المصنعة التي جلها في غزة الصمود، وكذلك من حيث الأداء الميداني والسياسي الرفيع. ورغم ذلك، لم ينسَ أن يشيد بأداء المشاركين في الحرب المشتبكين مع الاحتلال البغيض خارج غزة، وخصوصًا في لبنان المقاوم واليمن الشامخ والعراق الأبي.

وحين أشار "أبو عبيدة" إلى احتمالات توسع الحرب وامتدادها جغرافيًا، واضعًا ذلك من زاوية ما ضمن رسائل "شركاء المعركة"، فإنه كان يشير ضمنًا إلى استعداد الكتائب وفصائل المقاومة عمومًا لهذا الاحتمال الوارد.

ولعل في شرط وقف العدوان الهمجي قبل أي خطوة أخرى في المسار السياسي، تأكيدًا إضافيًا على أن المقاومة الفلسطينية الباسلة ليست مأزومة أو مضغوطة في الميدان، بل تراهن على استمرار استنزاف قوات الاحتلال المعتدية بحيث يخضع الأخير لشروطها العادلة.

شمل الخطاب تفنيدًا مباشرًا لبعض ادعاءات الاحتلال الكاذبة والناطق باسم جيشه المضلل بخصوص السيطرة على الأرض أو كشف شبكات أنفاق مهمة أو تدمير منصات إطلاق صواريخ أو مستودعات أسلحة، حيث وضع كل ذلك في إطار "الإنجازات المزعومة". كما كانت إحدى أقوى الرسائل تلك المتعلقة بالأسرى والمحتجزين الأبطال، حيث حمل الاحتلال كامل المسؤولية عن مقتل العديد منهم، وكون مصير العديد منهم مجهولاً، بينما الباقون قد "دخلوا نفق المجهول بفعل العدوان"، ما يعني عمليًا صعوبة الحديث عن أي صفقة تبادل قبل وقف العدوان الغاشم.

وأخيرًا؛ فقد ذكر الخطاب استهداف ألف آلية تابعة للاحتلال من مختلف الأنواع وإخراجها من الخدمة منذ بدء الحرب، وهو ما قدره خبراء عسكريون بآليات ثلاث فرق عسكرية كاملة، إضافة إلى الإشارة للعدد الكبير من الضباط والجنود الذين خسرهم الاحتلال في غزة دون تحديد عددهم بدقة، مع التأكيد على فقدانهم للدافعية والشجاعة والإقدام في المواجهات الشرسة.

وفي الخلاصة، فقد كان خطاب الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" الذي تكاملت رسائله مع رشقة صواريخ تجاه أسدود من قطاع غزة ردًا مباشرًا على خطط الاحتلال وتفنيدًا قاطعًا لادعاءاته بالقضاء على حماس وتفكيك بناها القيادية وتقويض قدراتها العسكرية، وبالتالي تأكيدًا راسخًا على حضور وقوة المقاومة عمومًا وكتائب القسام خصوصًا، بل واستعدادها للآفاق المستقبلية للحرب بما فيها توسعها وامتدادها، ورفض أي مبادرات خبيثة لا تبدأ بوقف العدوان، كل ذلك من موقف قوة وعزة وكرامة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة